كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {فلما رأينه اكبرنه وقطعن ايديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم} الاكبار الاعظام وهو كناية عن اندهاشهن وغيبتهن عن شعورهن وارادتهن بمفاجأة مشاهدة ذاك الحسن الرائع طبقا للناموس الكونى العام وهو خضوع الصغير للكبير وقهر العظيم للحقير فإذا ظهر العظيم الكبير بعظمته وكبريائه لشعور الإنسان قهر سائر ما في ذهنه من المقاصد والافكار فأنساها وصار يتخبط في اعماله.
ولذلك لما رأينه قهرت رؤيته شعورهن فقطعن ايديهن تقطيعا مكان الفاكهة التي كن يردن قطعها وفي صيغة التفعيل دلالة على الكثرة يقال قتل القوم تقتيلا وموتهم الجدب تمويتا.
وقوله: {وقلن حاش لله} تنزيه لله سبحانه في أمر يوسف وهذا كقوله تعالى: {ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم} النور: 16 وهو من ادب الكلام عند المليين إذا جرى القول في أمر فيه نوع تنزيه وتبرئة لاحد يبدء فينزه الله سبحانه ثم يشتغل بتنزيه من اريد تنزيهه فهن لما اردن تنزيهه عليه السلام بقولهن ما هذا بشرا الخ بدأن بتنزيهه تعالى ثم اخذن ينزهنه.
وقوله: {ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم} نفى ان يكون يوسف عليه السلام بشرا واثبات انه ملك كريم وهذا بناء على ما يعتقده المليون منهم الوثنيون ان الملائكة موجودات شريفة هم مبادئ كل خير وسعادة في العالم منهم يترشح كل حياة وعلم وحسن وبهاء وسرور وسائر ما يتمنى ويؤمل من الأمور ففيهم كل جمال صوري ومعنوي وإذا مثلوا تخيلوا في حسن لا يقدر بقدر ويتصوره اصحاب الأصنام في صور انسانية حسنة بهية.
ولعل هذا هو السبب في قولهن: {ان هذا الا ملك كريم} حيث لم يصفنه بما يدل على حسن الوجه وجمال المنظر مع ان الذي فعل بهن ما فعل هو حسن وجهه واعتدال صورته بل سمينه ملكا كريما لتكون فيه اشارة إلى حسن صورته وسيرته معا وجمال خلقه وخلقه وظاهره وباطنه جميعا والله اعلم.
وتقدم قولهن هذا على قول امرأة العزيز: {فذلكن الذي لمتننى فيه} يدل على انهن لم يفهمن بهذا الكلام اعذار لامرأة العزيز في حبها له وتيمها وغرامها به وانما كان ذلك اضطرارا منهن على الثناء عليه واظهارا قهريا لانجذاب نفوسهن وتوله قلوبهن إليه فقد كان فيه فضاحتهن ولم تقل امرأة العزيز فذلكن الذي لمتننى فيه الا بعد ما فضحتهن فعلا وقولا بتقطيع الايدى وتنزيه الحسن فلم يبق لهن إلا أن يصدقنها فيما تقول ويعذرنها فيما تفعل.
قوله تعالى: {قالت فذلكن الذي لمتننى فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم} إلى آخر الآية الكلام في موضع دفن الدخل كان قائلا يقول فماذا قالت امرأة العزيز لهن؟ فقيل قالت فذلكن الذي لمتننى فيه.
وقد فرعت كلامها على ما تقدمه من قولهن وفعلهن واشارت إلى شخص الذي لمنها فيه ووصفته بانه الذي لمنها فيه ليكون هو بعينه جوابا لما رمينها به من ترك شرف بيتها وعزة زوجها وعفة نفسها في حبه وعذرا قبال لومهن اياها في مراودته واقوى البيان ان يحال السامع إلى العيان ومن هذا الباب قوله تعالى: {أهذا الذي يذكر آلهتكم} الأنبياء: 36 وقوله: {ربنا هؤلاء اضلونا} الأعراف: 38.
ثم اعترفت بالمراودة وذكرت لهن انها راودته لكنه اخذ بالعفة وطلب العصمة وانما استرسلت واظهرت لهن ما لم تزل تخفيه لما رأت موافقة القلوب على التوله فيه فبثت الشكوى لهن ونبهت يوسف انها غير تاركته فليوطن نفسه على طاعتها فيما تأمر به وهذا معنى قولها ولقد راودته عن نفسه فاستعصم.
ثم ذكرت لهن ما عزمت عليه من اجباره على الموافقة وسياسته لو خالفت فقالت: {ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين} وقد اكدت الكلام بوجوه من التأكيد كالقسم والنون واللام ونحوها ليدل على انها عزمت على ذلك عزيمة جازمة وعندها ما يجبره على ما ارادته ولو استنكف فليوطن نفسه على السجن بعد الراحة والصغار والهوان بعد الاكرام والاحترام وفي الكلام تجلد ونوع تعزز وتمنع بالنسبة اليهن ونوع تنبيه وتهديد بالنسبة إلى يوسف عليه السلام.
وهذا التهديد الذي يتضمنه قولها: {ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين} اشد واهول مما سألته زوجها يوم المراودة بقولها: {ما جزاء من اراد بأهلك سوء إلا أن يسجن أو عذاب اليم}.
اما اولا فلانها رددت الجزاء هناك بين السجن والعذاب الاليم وجمع هاهنا بين الجزائين وهو السجن والكون من الصاغرين.
واما ثانيا فلانها هاهنا قامت بالتهديد بنفسها لا بأن تسأل زوجها وكلامها كلام من لا يتردد فيما عزم عليه ولا يرجع عما جزم به وقد حققت انها تملك قلب زوجها وتقدر ان تصرفه مما يريده إلى ما تريده وتقوى على التصرف في امره كيفما شاءت؟ قوله تعالى: {قال رب السجن احب إلى مما يدعونني إليه والا تصرف عنى كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين} قال الراغب في المفردات صبا فلان يصبوصبوا وصبوة إذا نزع واشتاق وفعل فعل الصبيان قال تعالى: {اصب اليهن وأكن من الجاهلين} انتهى وفى المجمع الصبوة لطافة الهوى انتهى.
تفاوضت امرأة العزيز والنسوة فقالت وقلن واسترسلن في بت ما في ضمائرهن ويوسف عليه السلام واقف امامهن يدعونه ويراودنه عن نفسه لكن يوسف عليه السلام لم يلتفت اليهن ولا كلمهن ولا بكلمة بل رجع إلى ربه الذي ملك قلبه بقلب لا مكان فيه الا له ولا شغل له الا به {وقال رب السجن احب إلى مما يدعونني إليه} إلخ.
وقوله هذا ليس بدعاء على نفسه بالسجن وان يصرف الله عنه ما يدعونه إليه بالقائه في السجن وانما هو بيان حال لربه وانه عن تربية الهية يرجح عذاب السجن في جنب الله على لذة المعصية والبعد منه فهذا الكلام منه نظير ما قاله لامرأة العزيز حين خلت به وراودته عن نفسه معاذ الله انه ربى احسن مثواى انه لا يفلح الظالمون ففى الكلامين معا تمنع وتعزز بالله وانما الفرق انه يخاطب باحدهما امرأة العزيز وبالاخر ربه القوى العزيز وليس شيء من الكلامين دعاء البتة.
وفي قوله رب السجن احب إلى الخ نوع توطئة لقوله: {والا تصرف عنى كيدهن اصب اليهن} الخ الذي هو دعاء في صورة بيان الحال.
فمعنى الآية رب انى لو خيرت بين السجن وبين ما يدعونني إليه لا خترت السجن على غيره واسألك ان تصرف عنى كيدهن فانك ان لا تصرف عنى كيدهن انتزع وأمل اليهن واكن من الجاهلين فانى انما اتوقى شرهن بعلمك الذي علمتنيه وتصرف به عنى كيدهن فان امسكت عن افاضته علي صرت جاهلا ووقعت في مهلكه الصبوة والهوى.
وقد ظهر من الآية بمعونة السياق اولا: ان قوله: {رب السجن أحب إلي} إلخ ليس دعاء من يوسف عليه السلام على نفسه بالسجن بل بيان حال منه لربه بالاعراض عنهن والرجوع إليه ومعنى احب الي انى اختاره على ما يدعونني إليه لو خيرت وليس فيه دلالة على كون ما يدعونه إليه محبوبا عنده بوجه الا بمقدار ما تدعو إليه داعية الطبع الإنساني والنفس الامارة.
وان قوله تعالى: {فاستجاب له ربه} اشارة إلى استجابة ما يشتمل عليه قوله والا تصرف عنى كيدهن الخ من معنى الدعاء ويؤيده تعقيبه بقوله فصرف عنه كيدهن وليس استجابة لدعائه بالسجن على نفسه كما توهمه بعضهم.
ومن الدليل عليه قوله بعد في قصة دخوله السجن ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ولو كان دعاء بالسجن واستجابه الله سبحانه وقدر له السجن لم يكن التعبير بثم وفصل المعنى عما تقدمه بأنسب فافهم.
وثانيا ان النسوة دعونه وراودنه كما دعته امرأة العزيز إلى نفسها وراودته عن نفسه واما انهن دعونه إلى انفسهن أو إلى امرأة العزيز أو أتين بالامرين فدعينه بحضرة من امرأة العزيز إليها ثم اسرت كل واحدة منهن داعية اياه إلى نفسها فالآية ساكتة عن ذلك سوى ما يستفاد من قوله والا تصرف عنى كيدهن اصب اليهن إذ لولا دعوة منهن إلى انفسهن لم يكن معنى ظاهر للصبوة اليهن.
والذى يشعر به قوله تعالى حكاية عن قوله في السجن لرسول الملك: {ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن ايديهن إلى ان قال قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين ذلك ليعلم انى لم اخنه بالغيب وان الله لا يهدى كيد الخائنين} الآيات: 50- 52 من السورة انهن دعينه إلى امرأة العزيز وقد اشركهن في القصة ثم قال لم اخنه بالغيب ولم يقل لم اخن بالغيب ولا قال لم اخنه وغيره فتدبر فيه.
ومع ذلك فمن المحال عادة ان يرين منه ما يغيبهن عن شعورهن ويدهش عقولهن ويقطعن ايديهن ثم ينسللن انسلالا ولا يتعرض له اصلا ويذهبن لوجوههن بل العادة قاضية انهن ما فارقن المجلس الا وهن متيمات فيه والهات لا يصبحن ولا يمسين الا وهو همهن وفيه هواهن يفدينه بالنفس ويطمعنه بأي زينة في مقدرتهن ويعرضن له انفسهن ويتوصلن إلى ما يردنه منه بكل ما يستطعن.
وهو ظاهر مما حكاه الله من يوسف في قوله: {رب السجن احب الي مما يدعونني إليه والا تصرف عنى كيدهن اصب اليهن} فانه لم يعرض عن تكليمهن إلى مناجاة ربه الخبير بحاله السميع لمقاله الا لشدة الأمر عليه واحاطة المحنة والمصيبة من ناحيتهن به.
وثالثا: ان تلك القوة القدسية التي استعصم بها يوسف عليه السلام كانت كأمر تدريجي يفيض عليه آنا بعد آن من جانب الله سبحانه وليست الأمر الدفعي المفروغ عنه والا لانقطعت الحاجة إليه تعالى ولذا عبر عنه بقوله: {والا تصرف عنى} ولم يقل وان لم تصرف عنى وان كانت الجملة الشرطية منسلخة الزمان لكن في الهيئة اشارات.
ولذلك أيضا قال تعالى: {فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن} الخ فنسب دفع الشر عنه إلى استجابة وصرف جديد.
ورابعا ان هذه القوة القدسية من قبيل العلوم والمعارف ولذا قال عليه السلام واكن من الجاهلين ولم يقل وأكن من الظالمين كما قال لامرأة العزيز انه لا يفلح الظالمون أو اكن من الخائنين كما قال للملك وان الله لا يهدى كيد الخائنين وقد فرق في نحو الخطاب بينهما وبين ربه فخاطبهما بظاهر الأمر رعاية لمنزلتهما في الفهم فقال: انه ظلم والظالم لا يفلح وانه خيانة والله لا يهدى كيد الخائن وخاطب ربه بحقيقة الأمر وهو ان الصبوة اليهن من الجهل.
وستوافيك حقيقة الحال في هذين الامرين في ابحاث ملحقة بالبيان ان شاء الله تعالى.
قوله تعالى: {فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم} أي استجاب الله مسألته في صرف كيدهن عنه حين قال: {والا تصرف عنى كيدهن اصب اليهن} انه هو السميع باقوال عباده العليم باحوالهم (أبحاث حول التقوى الدينى ودرجاته) في فصول:
1- القانون والاخلاق الكريمة والتوحيد لا يسعد القانون الا بايمان تحفظه الاخلاق الكريمة والاخلاق الكريمه لا تتم الا بالتوحيد فالتوحيد هو الأصل الذي عليه تنمو شجرة السعادة الإنسانية وتتفرع بالاخلاق الكريمة وهذه الفروع هي التي تثمر ثمراتها الطيبة في المجتمع قال تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى اكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار} إبراهيم: 26 فجعل الإيمان بالله كشجرة لها أصل وهو التوحيد لا محالة واكل تؤتيه: {كل حين باذن ربها} وهو العمل الصالح وفرع وهو الخلق الكريم كالتقوى والعفة والمعرفة والشجاعة والعدالة والرحمة ونظائرها.
وقال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} الفاطر: 10 فجعل سعادة الصعود إلى الله وهو القرب منه تعالى للكلم الطيب وهو الاعتقاد الحق وجعل العمل الذي يصلح له ويناسبه هو الذي يرفعه ويمده في صعوده.
بيان ذلك: ان من المعلوم ان الإنسان لا يتم له كماله النوعى ولا يسعد في حياته التي لا بغيه له اعظم من اسعادها الا باجتماع من افراد يتعاونون على اعمال الحياة على ما فيها من الكثرة والتنوع وليس يقوى الواحد من الإنسان على الاتيان بها جميعا.
وهذا هو الذي احوج الإنسان الاجتماعي إلى ان يتسنن بسنن وقوانين يحفظ بها حقوق الافراد عن الضيعة والفساد حتى يعمل كل منهم ما في وسعه العمل به ثم يبادلوا اعمالهم فينال كل من النتائج المعدة ما يعادل عمله ويقدره وزنه الاجتماعي من غير ان يظلم القوى المقتدر أو يظلم الضعيف العاجز.
ومن المسلم ان هذه السنن والقوانين لا تثبت مؤثرة الا بسنن وقوانين أخرى جزائية تهدد المتخلفين عن السنن والقوانين المتعدين على حقوق ذوى الحقوق وتخوفهم بالسيئة قبال السيئة وباخرى تشوقهم وترغبهم في عمل الخيرات وتضمن اجراء الجميع القوة الحاكمة التي تحكم فيهم وتتسيطر عليهم بالعدل والصدق.
وانما تتحقق هذه الامنية إذا كانت القوة المجرية للقوانين عالمة بالجرم وقوية على المجرم واما إذا جهلت ووقع الاجرام على جهل منها أو غفلة وكم له من وجود فلا مانع يمنع من تحققه والقوانين لا ايدى لها تبطش بها وكذا إذا ضعفت الحكومة بفقد القوى اللازمة أو مساهلة في السياسة والعمل فظهر عليها المجرم أو كان المجرم اشد قوة ضاعت القوانين وفشت التخلفات والتعديات على حقوق الناس والإنسان كما مر مرارا في المباحث السابقة من هذا الكتاب مستخدم بالطبع يجر النفع إلى نفسه ولو اضر غيره.
ويشتد هذا البلوى إذا تمركزت هذه القوة في القوة المجرية أو من يتولى ازمة جميع الأمور فاستضعف الناس وسلب منهم القدرة على رده إلى العدل وتقويمه بالحق فصار ذا قوة وشوكة لا يقاوم في قوته ولا يعارض في ارادته.
والتواريخ المحفوظة مملوءة من قصص الجبابرة والطواغيت وتحكماتهم الجائرة على الناس وهو ذا نصب اعيننا في اكثر اقطار الأرض.
فالقوانين والسنن وان كانت عادلة في حدود مفاهيمها واحكام الجزاء وان كانت بالغة في شدتها لا تجرى على رسلها في المجتمع ولا تسد باب الخلاف وطريق التخلف الا باخلاق فاضلة انسانية تقطع دابر الظلم والفساد كملكة اتباع الحق واحترام الإنسانية والعدالة والكرامة والحياة ونشر الرحمة ونظائرها.
ولا يغرنك ما تشاهده من القوة والشوكة في الأمم الراقية والانتظام والعدل الظاهر فيما بينهم ولم يوضع قوانينهم على اسس اخلاقية حيث لا ضامن لاجرائها فانهم امم يفكرون فكرة اجتماعية لا يرى الفرد منهم الا نفع الأمة وخيرها ولا يدفع الا ما يضر امته ولا هم لامته الا استرقاق سائر الأمم الضعيفة واستدرارهم واستعمار بلادهم واستباحة نفوسهم واعراضهم واموالهم فلم يورثهم هذا التقدم والرقى الا نقل ما كان يحمله الجبابرة الماضون على الافراد إلى المجتمعات فقامت الأمة اليوم مقام الفرد بالامس وهجرت الالفاظ معانيها إلى اضدادها تطلق الحرية والشرافة والعدالة والفضيلة ولا يراد بها الا الرقية والخسة والظلم والرذيلة.
وبالجملة السنن والقوانين لا تأمن التخلف والضيعة الا إذا تأسست على اخلاق كريمة انسانية واستظهرت بها.
ثم الاخلاق لا تفى بإسعاد المجتمع ولا تسوق الإنسان إلى صلاح العمل الا إذا اعتمدت على التوحيد وهو الإيمان بأن للعالم ومنه الإنسان الها واحدا سرمديا لا يعزب عن علمه شيء ولا يغلب في قدرته عن احد خلق الأشياء على اكمل نظام لا لحاجة منه إليها وسيعيدهم إليه فيحاسبهم فيجزى المحسن باحسانه ويعاقب المسئ باساءته ثم يخلدون منعمين أو معذبين.